1. تعلم ليوناردو دافنشي فن الرسم و التلوين في عدة ستوديوهات، وهو في سن الثلاثين، قبل سفره الى فلورنسا، للعمل مهندسا حربيا، و ليس في المعمار أو في الرسم. لكنه ترك فيها ( اسكيجات) دراسات مستفيضة، مثلت بداية سنوات تألقه. صممها على اسس هندسية و منظور دقيق للمسافات وفي رقة الاشكال و تدرج ظلالها، ولم يعتمد في تصويرها على الخطوط كما فعل معاصروه، بل صب اهتمامه على تجسيد الابعاد الثلاثة، عن طريق درجات الظل والنور المتغايرة، جعلتنا نتخيل وجود الخطوط الخارجية دون أن نراها، لقد جعل العناصر الفنية مرتبطة في وحدة تصورية متكاملة.. وهو اسلوب يكسب اللوحة جوا وطابعا شاعريا مبتعدا عن الواقعية التقليدية. ، وبعد 12 عاما من ذلك، ابدع رائعته الحائطية: العشاء الاخير التي رسمها على جدار مطعم (دير سانتا ماريا جراتزي) في ميلان سنة 1501 انتهى منها سنة 1495 . كيف جسدت لوحة دافنشي جملة السيد المسيح المأثورة لحوارييه حول مائدة الطعام: "من يخونني موجود معي على المائدة"؟ لقد تجسدت في ملامح الوجوه : في امارات الفزع المرتسمة على وجوه التلاميذ من أثر الكلمات التي سمعوها،بينما نشعر بهدوء و سكينة شخصية المسيح. وإذا تأملنا حركات الشخصيات المعبرة و المنفذة بدراية تامة بعلم التشريح، نتبين اختفاء الخطوط المحددة للكتل المرسومة، لتتكامل مع عناصر خلفية اللوحة. وكان عنصر التكوين في عمله نموذجا للقاعدة الذهبية في معمار او تصميم العمل الفني المنظم المتماسك في عناصر ووحدات إنشائه وبخاصة ( المنظور) في وجود نقطة التلاشي في مركز الصورة. فلعب ذلك التصميم دورا رئيسا في المعنى و الرمز اللذين خدما المضمون الذي أصبح محاولة جادة للخروج عن النهج القديم، و اتجاها الى التجريب و التجديد، والتطور. وقد تلاشى في فنه مظهر التسطيح و منح شخصياته و عناصره بروزا و حجما، تشكيلات من الظلال المرتبطة بعضها ببعض بحيث تجمع عناصر الصورة في تكوين موحد و كتلة متكاملة مع الخلفية. نحس فيها بالهواء و الفراغ، كما نشعر بطيات الملابس و عمق دراسته للتشريح الذي وضع فيه مؤلفات مستفيضة مشفوعة برسوم توضيحية تعليمية. وقد تضررت لوحة العشاء الأخير الآن، نتيجة لاستخدامه الوان التمبرا مع مادة الزيت بدلا من الوان الفريسك، وكان أحيانا يرسم بالوان الزيت على الجص مباشرة، لعله يبتكر اسلوبا جديدا في التصوير الجداري. كما تفرد في تجربته الفنية التي دعاها (سفوماتو)، أي الرسم بالدخان، يعتبر اكتشافا رائعا في عالم فن الرسم. وما كانت شخصيته الابداعية متجسدة في الرسم التصويري و النحت وعلم التشريح.. و الواقع ان ابحاثه اسفرت عن وضع قواعد للطيران و تصميم طائرات تشبه الهليكوبتر التي نعرفها الان، و غواصة تبحر تحت الماء و ملابس للغوص، و اسلحة على شكل قوارب تشبه العقرب في وظيفتها الدفاعية و القتالية، و مدافع رشاشة سريعة الطلقات. كما تفوق في فن العمارة وعلم الجيولوجيا و قوانين المنظور والهندسة الحربية و صنع عربات مصفحة تحمل مدفعيتها و تشق جيوش الاعداء، كان يسعى إلى خلط البارود بالكبريت و كرات الحديد فتصبح اقوى الة مميتة عرفت في زمنه.. وتوسعت معارفه في علوم الطبيعة والميكانيكا و الفلك و الكوزمولوجيا. وكتب المؤلفات العلمية التي تتعلق بالرسم و توجية الفنانين، متحدثا باسلوب علمي عن قواعد الرسم المستقاة من الطبيعة، معالجا علاقة الفن التصويري بكل من الشعر و حركات الجسم الانساني و الاقمشة و الملابس و قوانين الظل و النور، و المناظر الطبيعية بما فيها من اشجار و سحب و صخور و افق، تلك النصوص التاريخية ما زالت محفوظة بخط يده في مكتبة الفاتيكان بروما. لهذا تميزت لوحاته ومنها الموناليزا التي رسمها في اربع سنوات ( 1503 – 1507) بالواقعية و الشاعرية معا.

خاتمة متعبة: نزح دافنشي الى روما سنة 1513 لأنه لم ينل المكانة اتي كان يرنو اليها في بلاده . عاش ثلاث سنوات في باريس واتخذ نشاطه فيها طابعا علميا و فلسفيا. و تقدمت به السن واعتلت صحته. لفظ انفاسه الاخيرة في 2 مايو 1519. ترك مذكرات مهمة كثيرة لم يعرف منها سوى تسع عشرة كراسة تضم 3500 صفحة مليئة بالتخطيطات على الوجهين، و صفحات متناثرة في متاحف العالم.
ملاحظة : إن الدراسة اللونية و الهندسية و الفنية للوحة العشاء السري الموجودة في النص هي دراسة فنية بحتة ليس لها علاقة بأي شيء آخر.
سأقوم بوضع سيرة أهم فناني العام التاريخية طبعاً بما استطعت الحصول علية و ذلك تبعاً للتسلسل الزمني في ظهورهم و كانت البداية مع اليوناردو دافنشي وترقبوا السير القادمة لأهم مبدعي الفن التشكيلي.